فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}.
يعطينا الحق تبارك وتعالى هنا الحكمة.. فيما رواه لنا عن بني إسرائيل وعن قصصهم. لأنهم سيكون لهم دور مع المسلمين في المدينة، ثم في بيت المقدس، ثم في المسجد الأقصى.. فهو يروي لنا كيف أتعبوا نبيهم وكيف عصوا ربهم. وكيف قابلوا النعمة بالمعصية والرحمة بالجحود. وإذا كان هذا موقفهم يا محمد مع الله ومع نبيهم.. فلا تطمع أن يؤمنوا لك ولا أن يدخلوا في الإسلام، مع أنهم عندهم التوراة تدعوهم إلى الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام.
هذه الآيات تحمل أعظم تعزية للرسول الكريم. وتطالبه ألا يحزن على عدم إيمان اليهود به لأنه عليه البلاغ فقط؛ ولكن حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يؤمن كل أهل الأرض يهود ونصارى وكفارًا، ليس معناه أنه لم يفهم مهمته، ولكن معناه أنه أدرك حلاوة التكليف من ربه، بحيث يريد أن يهدي كل خلق الله في الأرض.. فيطمئنه الله ويقول له لا تعتقد أنهم سيؤمنون لك. وليس معنى عدم إيمانهم أنك لست صادقا.. فتكذيبهم لك لا ينبغي أن يؤثر فيك.. فلا تطمع يا محمد أن يؤمنوا لك.
ما هو الطمع؟.. الطمع هو رغبة النفس في شيء غير حقها وإن كان محبوبا لها.. والأصل في الإنسان العاقل ألا يطمع إلا في حقه.. والإنسان أحيانا يريد أن يرفه حياته ويعيش مترفا ولكن بحركة حياته كما هي. نقول له إذا أردت أن تتوسع في ترفك فلابد أن تتوسع في حركة حياتك؛ لأنك لو أترفت معتمدا على حركة حياة غيرك فسيفسد ميزان حركة الحياة في الأرض، أي إن كنت تريد أن تعيش حياة متزنة فعش على قدر حركة حياتك؛ لأنك إن فعلت غير ذلك تسرق وترتش وتفسد. فإن كان عندك طمع فليكن فيما تقدر عليه.
إذن فكلمة {افتطمعون} هنا تحدد أنه يجب ألا نطمع إلا فيما نقدر عليه. هؤلاء اليهود هل نقدر على أن نجعلهم يؤمنون؟ يقول الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم.. هذا أمر زائد على ما كلفت به.. لأن عليك البلاغ، وحتى لو كان محببا إلى نفسك.. فإن مقدماتهم مع الله لا تعطيك الأمل في أنك ستصل إلى النتيجة التي ترجوها.
وهذه الآية فيها تسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما سيلاقيه مع اليهود. وتعطيه الشحنة الإيمانية التي تجعله يقابل عدم إيمان هؤلاء بقوة وعزيمة.. لأنه كان يتوقعه فلا يحزن ولا تذهب نفسه حسرات، لأن الله تبارك وتعالى قد وضع في نفسه التوقع لما سيحدث منهم.. فإذا جاء تصرفهم وفق ما سيحدث.
يكون ذلك أمرا محتملا من النفس.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ} انظر إلى الأمانة والدقة.. فريق منهم ليس كلهم.. هذا هو ما استنبط منه العالم نظرية صيانة الاحتمال.. وهي عدم التعميم بحيث تقول أنهم جميعا كذا. لابد أن تضع احتمالا في أن شخصا ما سيؤمن أو سيشذ أو سيخالف.. هنا فريق من أهل الكتاب عرفوا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل.. وعندما بعث آمنوا به، وهؤلاء لم يحرفوا كلام الله. لو أن القرآن جاء بالحكم عاما لتغيرت نظرة الكافرين للإسلام.. ولقالوا لقد قال عنا هذا الدين أننا حرفنا كتاب الله ولكننا لم نحرفه ونحن ننتظر رسوله.. فكأن هذا الحكم غير دقيق.. ولابد أن شيئا ما خطأ.. لأن الله الذي نزل هذا القرآن لا يخفي عليه شيء ويعرف ما في قلوبنا جميعا.. ولكن لأن الآية الكريمة تقول أن فريقا منهم كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه.. الكلام بلا تعميم ومنطبق بدقة على كل حال.
والحق جل جلاله يقول: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. هذه معصية مركبة سمعوا كلام الله وعقلوه وعرفوا العقوبة على المعصية ثم بعد ذلك حرفوه.. لقد قرأوه في التوراة وقرأوا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنهم يعرفونه كأبنائهم.. ثم حرفوا كلام الله وهم يعلمون.. ومعنى التحريف تغيير معنى الكلمة.. كانوا يقولون السَّأم عليكم بدلا من السلام عليكم.. ولم يتوقف الأمر عند التحريف بل تعداه إلى أن جاءوا بكلام من عندهم وقالوا أنه من التوراة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}.
أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ثم قال الله لنبيه ومن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله} وليس قوله التوراة كلهم، وقد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم} الآية. قال: فالذين يحرفونه والذين يكتبونه هم العلماء منهم، والذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم هؤلاء كلهم يهود.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {يسمعون كلام الله} قال: هي التوراة حرفوها. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
فصل في إعراب الآية:
قوله: {أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} ناصب ومنصوب، وعلامة النصب حذف النون والأصل في {أن} وموضعها نصب أو جر على ما عرف، وعدي {يؤمنوا} باللاّم لتضمّنه معنى أن يحدثوا الإيمان لأجل دعوتكم قاله الزمخشري.
فإن قيل: ما معنى الإضافة في قوله: {يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} والإيمان إنما هو لله؟
فالجواب: أن الإيمان وإن كان الله فهم الدّاعون إليه كما قال تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26] لما آمن بنبوّته وتصديقه، ويجوز أن يراد أن يؤمنوا لأجلكم، ولأجل تشدّدكم في دعائهم.
قوله: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ} الواو: للحال.
قال بعضهم: وعلامتها أن يصلح موضها إذ، والتقدير: أفتطمعون في إيمانهم، والحال أنهم كاذبون محرفون لكلام الله تعالى.
و{قد} مقربة للماضي من الحال سوّغت وقوعه حالًا.
و{يَسْمَعُون} خبر {كان}.
و{منهم} في محلّ رفع صفة ل {فريق}، أي: فريق كائن منهم.
قال سيبويه: واعلم أن ناسًا من ربيعة يقولون: {مِنْهِم} بكسر الهاء إتباعًا لكسرة الميم.
لم يكن المسكن حاجزًا حصينًا عندهم.
والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه كرَهْط وَقَوْم، وجمعه في أدنى العدد أَفْرقه، وفي الكثير أفْرِقَاء.
و{يَسْمَعُون} نعت ل {فريق}، وفيه بعد، و{كان} وما في حَيّزها في محلّ نصب على ما تقدم.
وقرئ: {كَلِمَ اللهِ} وهو اسم جنس واحدة كلمة، وفرّق النحاة بين الكلام والكلم، بأن الكلام شرطه الإفادة، والكلم شرطه التركيب من ثلاث فصاعدًا؛ لأنه جمع في المعنى، وأقلّ الجمع ثلاثة، فيكون بينهما عموم وخصوص من وجه، وهل الكلام مصدر أو اسم مصدر؟ خلاف.
والمادة تدل على التأثير، ومنه الكَلْم وهو الجُرْح، والكَلاَم يؤثر في المخاطب.
قال الشاعر: المتقارب:
....... ** وَجُرْحُ اللِّسَانِ كَجُرْحِ الْيَدِ

ويطلق الكلام لغة على الخَطِّ والإشارة؛ كقوله: الطويل:
إِذَا كَلَّمَتْنِي بِالعُيُونِ الفَوَاتِرِ ** رَدَدْتُ عَلَيْهَا بِالدُّمُوعِ الْبَوادِرِ

وعلى النفساني؛ قال الأخطل: الكامل:
إِنَّ الْكَلاَمَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنِّمَا ** جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا

وقيل: لم يوجد هذا البيت في ديون الأخطل.
وأما عند النحويين فيطلق على اللّفظ المركب المفيد بالوضع.
و{ثم} للتراخي إما في الزمان أو الرتبة.
والتحريف: الإمالة والتحويل، وأصله من الانحراف عن الشيء، ويقال: قلم محرّف إذا كان مائلًا.
قوله: {منْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} متعلق ب {يحرفونه}، و{ما} يجوز أن تكن موصولة اسمية، أي: ثم يحرفون الكلام من بعد المعنى الذي فهموه وعرفوه، ويجوز أن تكون مصدرية.
والضمير في {عقلوه} يعود حينئذ على الكلام أي: من بعد تعقلهم إياه.
قوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} جملة حالية، وفي العامل قولان:
أحدهما: {عقلوه}، ولكن يلزم منه أن تكون حالًا مؤكدة؛ لأن معناها قد فهم من قوله: {عقلوه}.
والثاني وهو الظاهر: أنه {يحرفونه}، أي: يحرفونه حال علمهم بذلك. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (76):

قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الكلام مرشدًا إلى أن التقدير فهم لجرأتهم على الله إذا سمعوا كتابكم حرفوه وإذا حدثوا عباد الله لا يكادون يصدقون عطف عليه قوله: {وإذا لقوا الذين آمنوا} بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم {قالوا} نفاقًا منهم {آمنا وإذا خلا بعضهم} أي المنافقين {إلى بعض قالوا} لائمين لهم ظنًّا منهم جهلًا بالله لما وجدوا كثيرًا من أسرارهم وخفي أخبارهم مما هو في كتابهم من الدقائق وغير ذلك عند المؤمنين مع اجتهاده في إخفائها أن بعضهم أفشاها فعلمت من قبله {أتحدثونهم} من التحديث وهو تكرار حدث القول أي واقعه {بما فتح الله} ذو الجلال والجمال {عليكم} من العلم القديم الذي أتاكم على ألسنة رسلكم أو بما عذب به بعضكم.
والفتح قال الحرالي توسعة الضيق حسًا ومعنى {ليحاجوكم} أي المؤمنون {به عند ربكم} والمحاجة تثبيت القصد والرأي بما يصححه.
ولما كان عندهم أن إفشاءهم لمثل هذا من فعل من لا يفعل قالوا إنكارًا من بعضهم على بعض {أفلا تعقلون} ويمكن أن يكون خطابًا للمؤمنين المخاطبين يتطمعون، أي أفلا يكون لكم عقل ليردكم ذلك عن تعليق الأمل بإيمانهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو النوع الثاني من قبائح أفعال اليهود الذين كانوا في زمن محمد صلى الله عليه وسلم والمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن منافقي أهل الكتاب كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا لهم: آمنا بالذي آمنتم به ونشهد أن صاحبكم صادق وأن قوله حق ونجده بنعته وصفته في كتابنا، ثم إذا خلا بعضهم إلى بعض قال الرؤساء لهم: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم في كتابه من نعته وصفته ليحاجوكم به، فإن المخالف إذا اعترف بصحة التوراة واعترف بشهادة التوراة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلا حجة أقوى من ذلك، فلا جرم كان بعضهم يمنع بعضًا من الاعتراف بذلك عند محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال القفال: قوله: {فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} مأخوذ من قولهم قد فتح على فلان في علم كذا أي رزق ذلك وسهل له طلبه. اهـ.
قال الفخر:
أما قوله: {عِندَ رَبّكُمْ} ففيه وجوه:
أحدها: أنهم جعلوا محاجتهم به وقوله هو في كتابكم هكذا محاجة عند الله، ألا تراك تقول هو في كتاب الله هكذا وهو عند الله هكذا بمعنى واحد.
وثانيها: قال الحسن: أي ليحاجوكم في ربكم لأن المحاجة فيما ألزم الله تعالى من اتباع الرسل تصح أن توصف بأنها محاجة فيه لأنها محاجة في دينه.
وثالثها: قال الأصم: المراد يحاجوكم يوم القيامة وعند التساؤل فيكون ذلك زائدًا في توبيخكم وظهور فضيحتكم على رءوس الخلائق في الموقف لأنه ليس من اعتراف بالحق ثم كتم كمن ثبت على الإنكار فكان القوم يعتقدون أن ظهور ذلك مما يزيد في انكشاف فضيحتهم في الآخرة.
ورابعها: قال القاضي أبو بكر: إن المحتج بالشيء قد يحتج ويكون غرضه من إظهار تلك الحجة حصول السرور بسبب غلبة الخصم وقد يكون غرضه منه الديانة والنصيحة، فقط ليقطع عذر خصمه ويقرر حجة الله عليه فقال القوم عند الخلوة قد حدثتموهم بما فتح الله عليكم من حجتهم في التوراة فصاروا يتمكنون من الاحتجاج به على وجه الديانة والنصيحة، لأن من يذكر الحجة على هذا الوجه قد يقول لصاحبه قد أوجبت عليك عند الله وأقمت عليك الحجة بيني وبين ربي فإن قبلت أحسنت إلى نفسك وإن جحدت كنت الخاسر الخائب.
وخامسها: قال القفال: يقال: فلان عندي عالم أي في اعتقادي وحكمي، وهذا عند الشافعي حلال وعند أبي حنيفة حرام، أي في حكمهما وقوله: {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبّكُمْ} أي لتصيروا محجوجين بتلك الدلائل في حكم الله.
وتأول بعض العلماء قوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء فأولئك عِندَ الله هُمُ الكاذبون} [النور: 13] أي في حكم الله وقضائه لأن القاذف إذا لم يأت بالشهود لزمه حكم الكاذبين وإن كان في نفسه صادقًا. اهـ.